كثيراً ما تؤدي التنازعات والمنافسات الطائفية إلى جمود سياسي وتأخير في تنفيذ القوانين والإصلاحات الضرورية
ورغم أن نظام المحاصصة الطائفية في العراق جاء بهدف تحقيق التوازن وتمثيل جميع المكونات، إلا أنه زاد الفساد والمحسوبية وأضعف المؤسسات العامة، وأدى إلى تزايد الانقسامات الداخلية بين الشيعة والسنة والعرب والأكراد وأنتج فرزاً مذهبياً شديد الحساسية في الانتخابات التشريعية وكذلك فرزاً عرقياً شوفينياً شديداً مازال يهدد بتقسيم العراق وإضعاف الدولة ومستقبلها السياسي، ويضعف أثرها في الإقليم، فضلاً عن تعثر عملية الإصلاح الاقتصادي والاقتتال الداخلي الذي يتغذى على التعصب والثارات الدموية التي لا تنتهي.
والمثال العربي الثالث لنظام المحاصصة الكارثي هو السودان، فقد أدى ذلك النظام إلى تقسيم الدولة الواحدة إلى دولتين وشعبين، وهذا التقسيم كان يحمل في طياته دائماً بذور المواجهة والحروب التي أنهكتهم جميعاً وأدت في النهاية إلى خراب السودان الحاصل حالياً.
ولا يمكن طبعاً تجاهل نظام المحاصصة المقنع الذي استخدمه حافظ الأسد ومن بعده ابنه في سوريا بالرغم من أنه كانا أكثر تحكماً به، مع ذلك فقد كان نموذجاً للفشل والنصب والاحتيال والتلاعب بالنسيج الطائفي، إذا كان حافظ وبشار يعمدان إلى تعويم الحثالات من كل الطوائف بدل اختيار الأفضل لإدارة الوزارات والمؤسسات على أساس الكفاءة. ولو نظرتم مثلاً إلى الذين كان يختارهم النظام الساقط من الدروز مثلاً لوجدنا أنه كان يختار الأفسد بحيث يخدم العصابة الحاكمة أكثر مما يحكم حتى طائفته، وآخر تلك النماذج منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية الذي لم تستفد منه طائفته بشيء، لأنه كان شريكاً لبشار في تجارة المخدرات وغسيل وتهريب الأموال.
وفي مقابل تلك النماذج العربية الفاشلة، «فإن مجتمع الولايات المتحدة أكثر تنوعاً وتعددية من حيث الأديان والمذاهب، ومن حيث الأصول والأعراق. وقد أدرك النظام الأمريكي مبكراً خطورة الانزلاق نحو منهج المحاصصة، وتوجه نحو خلق المجتمع الأمريكي الواحد والأمة الأمريكية الواحدة، وتمت معالجة مظاهر التعصب بشكل متدرج، واستطاع أن يصنع قوة مجتمعية موحدة وصلت الى مرتبة القوة الأولى على مستوى العالم سياسياً واقتصادياً، وعسكرياً، وعلمياً».
وأخيراً أهلنا في سوريا، لا بد أن تعلموا أن أكبر المستفيدين من نظام المحاصصة هم زعماء العصابات المذهبية والطائفية والعرقية والمناطقية، وكلهم كانوا أكبر الأعوان للنظام الساقط على مدى أكثر من نصف قرن، وبالتالي فإن العودة إلى ذلك النظام هو بمثابة إحيائه من جديد، ولو تمكن هؤلاء من تعزيز أوضاعهم هذه المرة لكانت النتيجة الحتمية تقسيم سوريا في وقت يتجه فيه العالم أجمع إلى التكتلات الكبرى والعملاقة. هل تريدون بعد كل ذلك إذاً تكرار النماذج اللبنانية والعراقية والسودانية والأسدية، أم النموذج الحضاري القائم على مبدأ المواطنة الحقيقية؟
كاتب واعلامي سوري
[email protected]