د. سامية عبدالمجيد الأغبري.. تكتب..أطباء الدفع المسبق في صنعاء..!
الساعة 10:34 صباحاً

جاءت إحدى قريباتي من الحديدة إلى صنعاء للعلاج لدى طبيب الأسنان الذي نقل عمله إلى صنعاء، وكانت بحاجة لزراعة أسنان. ورغم أنه -أي الطبيب- يعرف زوجها الذي هو طبيب زميل له، إلا أنه بعد تشخيص حالتها طلب المبلغ كاملًا (دفع مسبق)، وبما يعادل 500 دولار، فأرسل لها ابنها المبلغ في اليوم نفسه، وبدأت برحلة العلاج، واستمرت لجلستين لعمل الاعمدة و… ثم حدد لها موعدًا آخر بعد 3 أشهر. سافرت وعادت حسب الاتفاق. وعندما ذهبت إليه، وعمل لها المقاس النهائي للأسنان، انتظرت حتى يتم عمل السن المطابقة في المعمل، وعادت إليه بعد أسبوع، وللأسف لم يكن المقاس مطابقًا. واضطر لأخذ مقاس آخر للسن، لكنها حين عادت بعد أسبوع كان الطبيب قد سافر، وكلف طبيبة أخرى لتركيب المقاس، لكنه كان غير مطابق، وعاد الطبيب من سفره، وأخذ لها مقاسًا آخر، لكنه أيضًا لم يضبط، وكانت قريبتي تدفع لصاحب التاكسي في كل مشوار 10 آلاف ريال ذهابًا وإيابًا. ولم تنطبق السن إلا بعد خسارة وقت وجهد ومال. ولم يكن أمامها إلا المتابعة لديه، لأنه قد ضمن المقابل مسبقًا. وهكذا يحتكر الطبيب علاج مريضه، فلا يقبل عمل أية عملية أو علاج قبل الدفع المسبق له، دون أن يضمن المريض علاجًا شافيًا في كثير من الأحوال. والمضحك والمبكي في آن واحد، حين تدخل لطبيب ما ليعالجك، يتعامل معك كزبون جئت تشتري منه سلعة أو خدمة، وليس كإنسان يعاني جسدك وعقلك وقلبك الكثير من الألم والإجهاد والقهر، وفي حالة ضعف جسدي ونفسي، فلا تجد من كثير من الأطباء -إلا من رحم ربي- كلمة فيها دعم نفسي أو تخفيف من المعاناة. يتعامل كثير من الأطباء مع المرضى بعنجهية وكبرياء، لا يترك له مجالًا للحديث عن حالته الجسدية والنفسية، رغم أن الكثير من الأطباء قد رفعوا أسعار الكشف الطبي في عياداتهم ليصل إلى 8000 و10 آلاف ريال فأول ما يدخل المريض لعيادة بعض الأطباء، ينظر إليه ويسأله عما يعانيه، وقبل أن يكشف عليه ويشخص حالته بدقة، يكون تركيز الطبيب على تكاليف العلاج، وهل سيقدر عليها المريض، بدلًا من أن يشرح له في الأول حالته، والبدائل الممكنة للعلاج، ومراعاة ظروفه. يتعامل كثير من الأطباء مع المرضى بعنجهية وكبرياء، لا يترك له مجالًا للحديث عن حالته الجسدية والنفسية، رغم أن الكثير من الأطباء قد رفعوا أسعار الكشف الطبي في عياداتهم ليصل إلى 8000 و10 آلاف ريال، ولم يكتفِ بعض الأطباء بذلك، بل إنهم يحددون للمريض الصيدلية التي يشتري منها العلاج، وأية شركة دواء، أو لا يقبل، والبعض منهم لديه صيدلية تابعة للعيادة ومختبر، وأحيانًا أشعة.. ويرفض الطبيب قبول نتائج أي معامل طبية أخرى لا يتعامل معها. ويستغل بعض الأطباء حالة المرضى المكتئبين نفسيًا نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، فيوهمونهم بتعقد حالتهم الصحية والجسدية، ويصفون لهم أدوية لا تناسب حالتهم النفسية، بدلًا من تحويلهم لطبيب نفسي. قبل أسابيع، كنت أود الحجز لدى طبيب الأنف والأذن والحنجرة، وهو طبيب معروف، فلأنه بعيد تواصلت مع المسجل في العيادة، فقال لي تعالي احجزي لبعد أسبوع، وكلما تأخرت عن المجيء تأخر موعد التسجيل.. قلت له: ولكن سكني بعيد عن العيادة، وأنا مريضة، والمجيء للحجز سيكلفني مواصلات أكثر من قيمة الكشف، فقال بكل برود: بسيطة ابعثيها عن طريق الكريمي لحساب الطبيب. والأسوأ في الأمر حين تكون هناك حالة مرضية مستعجلة كولادة طارئة، فيرفض المستشفى أو الطبيب إسعاف المريضة، فتنزف وتموت في أغلب الأوقات لعدم توفر المبلغ المالي المقدم. يبدأ الدفع المسبق للمريض منذ اضطراره للذهاب لطبيب في عيادة أو مستشفى، من دفع رسوم الكشف الأولي، ثم قيمة فحوصات لا حدود لها وأشعة، وأغلب تلك الفحوصات قد لا تكون مهمة، وبدلًا من أن يبدأ المريض بشرح حالته بشكل وافٍ، ويسمعه الطبيب بسعة صدر، يجهز له ورقة مطبوعة بالفحوصات، فتزداد حالة المريض سوءًا حين يكتشف أن قيمة الفحوصات فوق طاقته، ويبحث عن تخفيض أو مساعدة، وقد لا يجد إلا بعد شق الأنفس. وبعد عمل الفحوصات، والتي غالبًا الهدف منها توفير زبائن للجهات التي يتعامل معها الطبيب، مقابل عمولات محددة سلفًا، فيتفاجأ المريض أن حالته لا تستدعي كل تلك الفحوصات المكلفة، فكل النتائج طلعت سليمة، فلا يكتفي الطبيب بذلك الاستنزاف للمريض، فيطلب منه عمل فحص آخر مكلف، ويطلع غالبًا سليمًا.. ثم يكتب له علاجًا لا علاقة له بحالته. فغالبًا لا يتمكن بعض الأطباء من تشخيص المرض بشكل دقيق، فيكتب علاجًا غير مناسب لحالة المريض، فيزداد المريض تدهورًا من الناحية الصحية، وتزداد حالته النفسية سوءًا بعد خسارة مادية وديون. ومع ذلك، لا يمكننا أن ننكر أن هناك بعض الأطباء الذين يتعاملون بمنتهى الإنسانية مع المريض، ويراعون ظروفه المادية والنفسية، ولكنهم قلة مقارنة بما يحدث حاليًا من تدهور للقيم الطبية. وأعتقد أننا بحاجة إلى تفعيل القوانين والأنظمة الطبية، وضبط الجودة في المؤسسات الطبية، فهناك أطباء تحولوا إلى تجار أكثر من اللازم. فالطب مهنة إنسانية في المقام الأول. والأهم من ذلك كله، ينبغي الإشادة بالأطباء ذوي القيم الإنسانية والمتميزين علميًا وأخلاقيً،ا في كافة وسائل الإعلام، ومراقبة المتاجرين بمهنة الطب، وتعريتهم، وكشف تلاعبهم واستغلالهم للمرضى، ومحاسبتهم

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص