المتسكليجون على الحرب
الساعة 10:31 مساءً
عادة ما تنتج الحروب والصراعات الداخلية أمراء حرب ، ودوائر نفعية مستفيدة منها ، تقتات من دماء الضحايا ، تجني الثروات الطائلة من حقول القتل ، من المتاجرة بالبشر وبألآم وأناة الثكالى والجوعى والمحرومين ، عندما تتحول الحرب إلى بازارلبيع الذمم بفعل التجاذبات السياسية المحلية والإقليمية وتسقط المشاريع الوطنية يتحول الوطن إلى ميدان رماية لسماسرة القتل ، وماخورا لقوى الفساد والإرتهان ، الوضع اليمني الحالي بات معقداً أكثر من أي وقت مضى ، اللاعبون الرئيسيون وأصحاب القرار الحقيقي في جميع الأطراف هم تجار الحروب الذين يشكلون عقبة كئداء في وجه حل المشكلة اليمنية و‘نهاء الحرب ووقف نزيف الدم اليمني ، لم يعد الرئيس عبدربه منصور هادي لديه الحد الأدنى من القدرة على أتخاذ قرار أستراتيجي تاريخي لوقف الحرب ، لقد بات الرجل محاطاً بدائرة واسعة من المستفيدين من الحرب في اليمن ، الأشخاص المؤثرين في القرار هم مجموعة الضغط ، مافيا الأقتصاد غسيل الأموال من تجار الحروب الذين صعدوا بقوة الصاروخ البالستي والأف 16 ليتصدروا المشهد عبر صفقات مشبوهة (غسيل أموال) والمتاجرة بالنفط ، وعبر حصولهم على صفقات قذرة تقدر بمئات الملايين من الدولارات ، جعلت منهم متعهدين كبار في تموين قوات الجيش الوطني وهذه الفئة من تجار الموت تعي جيداً أن لا مستقبل لها في المرحلة القادمة خاصة وأنها متورطة في دعم مجاميع مسلحة جرى تصنيفها ووضعها في قائمة المنظمات الإرهابية ، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً والموالية للتحالف العربي ، بقيادة السعودية والإمارات ، ايضاً وفي ذات الجانب هناك المافيا السياسية التي باتت تتلقى الدعم والمبالغ المالية الضخمة من قبل التحالف العربي وهذه الفئة من الساسة أثبتت فشلها طوال أربعة أعوام من عمر الحرب ، تؤدي دورها ببراعة وإتقان في إطالة أمد الصراع في اليمن ، معظم الساسة الذين تصدروا المشهد السياسي في الشرعية في سنوات الحرب لديهم قناعة أن وجودهم في المشهد في مرحلة ما بعد الحرب باتت شبه مستحيلة ، وهو ماينسحب على القيادات العسكرية العليا المحيطة بالرئيس والتي ستخرج من المشهد بمجرد الإتفاق على السلام وسيتم إقصائها من الجيش اليمني القادم وهذا ما يجعلها تستميت في إطالة أمد الصراع وعدم حسم الحرب فهي في كلا الحالتين أبرز الخاسرين . وهي نفس الوضعية التي آل إليها مصير الكثير من القيادات التي شاركت في صراعات وحروب أهلية ، القاسم المشترك بين مافيا الاقتصاد ومافيا الفساد السياسي والعسكريين هو أنهم يشكلون مجموعة ضغط واحدة استطاعت اختطاف السلطلة للمرة الثانية ، بعد اختطافها من الحركة الحوثية في عام 2014م ، هذه العوامل وغيرها ساهمت في إستمرار الصراع رجال الحرب لم يكونوا ذات يوم رجال السلام . في الحركة الحوثية هناك عدة أجنحة متصارعة منذ سنوات الجانب العسكري الميلشياوي بقيادة محمد علي الحوثي الذي افرز ما يعرف بالماعون الاقتصادي للحركة وهذا الجناح يمتلك مئات المحطات النفطية الصغيرة وعدد من شركات الصرافة وهو رأسمال خرج من رحم الحركة الحوثية وانتعش بفعل الحرب القائمة ونهاية الحرب ستشكّل نهاية له ولهذا فهو يقاوم أي مشاريع لإحلال السلام في اليمن كون السلام يعتبر بالنسبة له مرحلة الأفول والنهاية المحتملة . الجناح الثاني الرافض للسلام في إطار الحركة الحوثية هو جناح الحوزات العلمية الجناح الإثناعشري بقيادة محمد البخيتي الذي وجد لأول مرة نطاق جغرافي للتبشير بالمذهب الجعفري يعمل لإطالة أمد الحرب لكون هذا التيار غير قابل للإستمرارية في إطار الدولة اليمنية القادمة دولة السلام خاصة في ظل عودة محتملة للرافعة الوطنية المتمثلة بالمثقف اليمني الذي أضطرته ظروف الحرب للهجرة القسرية مما يعني تمييع الفكرة الإيدولوجية وسقوطها في وجود تيارات فكرية حداثية أو ماضوية لها حضورها القوي ،وهذا مايفسر إستماتته في الإشتغال على نشر المذهبية ، التي إزدهرت في ظل الحرب . الجناح الثالث مجموعة العسكريين والأمنيين الذين إرتكبوا إنتهاكات كبرى في فترة الحرب وقبلها القتل وتفخيخ المنازل وتعذيب السجناء أبوعلي الحاكم ومن صار على شاكلته . الطرف الثالث الذي تسكلج على الحرب واستمد شرعيته من الحرب بفعل التدخل الإقليمي المجلس الإنتقالي بقيادة عيدروس الزُبيدي وهي كيان إنفصالي نشأ في جنوب اليمن بدعم إماراتي يعمل هذا الكيان المدعوم إماراتياً على إستمرار الحرب وإطالة مداها لأكبر وقتت ممكن على أمل أن يتغيّر الموقف الدولي من مسألة إنفصال جنوب اليمن ، ويعمل على إعاقة تموضع الحكومة الشرعية في عدن باعتبار ذلك يتناقض مع الطموح الإماراتي للسيطرة على الساحل اليمني من بحر العرب إلى سقطرى في المحيط الهندي إلى الحديدة في البحر الأحمر ، ويشترك المجلس الإنتقالي مع تيارات الحركة الحوثية المتفرقة في أن السلام في اليمن هو المقبرة الفعلية وبداية النهاية للمشروع الإنفصالي الصغير ، وفي هذا السياق لا يمكن إغفال الدائرة الإقتصادية المغلقة للمجلس التي باتت لديها العديد من العناوين والأسماء في التجارة بالمشتقات النفطية والمضاربة بالعملة والعقارات وهي نفس الألية المعمول بها في الحركة الحوثية ، وظهر دور الدائرة الإقتصادية من خلال ماقامت به من إِضعاف الريال اليمني ، بشراء كميات كبيرة من العملة الصعبة ، في الأيام الأخيرة لحكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر ، نهاية الحرب وحلول السلام في اليمن سيطوي صفحة الإنتقالي وسينهي مستقبل قياداته خاصة فيما يتعلق بموضوع مثل غسيل الأموال والمعتقلات والسجون السرية والتعاون مع قيادات في تنظيمات جرى تصنيفها مؤخراً بالإرهابية مثل جماعة أبو العباس المدعومة إماراتياً .كل تلك العوامل والمسببات تجعل المجلس الإنتقالي يعمل بقوة على إطالة الصراع والحيلولة دون قيام الدولة أو السلام . الطرف الرابع الذي يأمل أن تنتهي الحرب وفق محددات تكون لصالحه ونعني به حزب الإصلاح الذي يسيطر بقوة على مناطق واسعة من البلاد ويتخذ من مأرب ما يمكن توصيفه بالعاصمة لنفوذه لكن الحقائق التي لا يمكن إغفالها هي أنه وفي إطار التركيبة السياسية لنفوذ الإصلاح هناك قوى ضغط تحاول أن تمنع التوصل إلى سلام في اليمن يفقدها الكثير من المكاسب التي تحققت لها من ذلك مجموعة مأرب بقيادة سلطان العرادة وهي المجموعة التي حققت العديد من المكاسب بفعل جغرافية المحافظة التي استوعبت أكثر من مليون نازح من المحافظات الشمالية مما جعل مأرب تقوم بالدور الذي كان يمكن أن تقوم به مدينة مثل عدن باتت طاردة للشماليين بصورة عامة ، حيث يخشى جناح مأرب في حزب الإصلاح أن تفقد مأرب بعض المكاسب التي تحققت لها ومنها مشروع المطار الإقليمي الدولي ، وبعودة السلام ستعود مأرب إلى مدينة عادية كما كانت قبل الحرب ولهذا يعمل هذا الطرف للإبقاء على الحرب مستمرة باعتبار قواعده آمنة ويعيش في حالة نمو مستمر . أخيراً بعض المكونات العسكرية من قوات النخبة الحضرمية والشبوانية والتهامية والمقاومة و ألوية العمالقة والتي تدين في معظمها بالولاء للإمارات العربية المتحدة يخشى قادة تلك المكونات من أي تقدم دراماتيكي يكون مفاجئاً يعجّل بالسلام وبعودة الدولة اليمنية ، وهو مايعني تجفيف منابع الدعم المالي تماماً كما حدث مع المكونات العسكرية التابعة للمجموعات المسلحة إبان الحرب الأهلية في لبنان ، بمجرد نهاية الحرب وعودة السلام ذابت كالملح وتحولت إلى عناوين من الماضي ، نفس الوضع ستواجهه المجاميع المسلحة في اليمن بمسمياتها المختلفة على إمتداد التراب الوطني . على الصعيد الإقليمي فإن الوقائع والأحداث طيلة سنوات الحرب الأربع أثبتت أن هناك متغيّر على الأرض فباتت الإمارات العربية المتحدة هي اللاعب الرئيسي في الحرب ضد الحوثيين وهي التي تقود الصراع أمام إيران وعلى غير المتوقع تراجع الدور السعودي في اليمن بصورة ملفتة وبدا أن الصراع مع إيران صراع إماراتي إيراني بالدرجة الأولى ، السلام يقود إلى خروج الإمارات من اليمن وخروجها يعني فقدان عدن وسقطرى معاً بعد فقدانها لجيبوتي والصومال وأرتيريا ، أي إنهاء الدور الإماراتي في المنطقة وبطريقة غير مشرفة ، وفي المقابل السلام يعني بالنسبة لإيران إنهاء آخر ورقة ضغط على السعودية وهذه الأخيرة في ظل عدم وجود الدولة والسلام في اليمن ستبقى غير قادرة على إحداث أي نوع من التفاهمات فيما يتعلق بمسألة مد أنبوب النفط إلى باكستان عبر ميناء نشطون في بحر العرب ، مما يكلفها خسائر مالية ضخمة ، وهنا تكمن حالة الإختلاف بين الموقف الإماراتي الذي يعارض تحريك السلام في اليمن وفق أجنداته الخاصة ، وبين الموقف السعودي الذي يأخذ في المقام الأول الأمن الوطني للمملكة وفق شروط تتطلبها الحرب منها المنطقة منزوعة السلاح و مسألة الأنبوب . والمحصلة هي أن أطراف الصراع في اليمن تسكلجت على الحرب ولم تعد قادرة على الحياة والدخول إلى مرحلة السلام وفي وطن ينعم بالأمن والإستقرار . وهو مايقودنا إلى أن مختلف القوى السابقة الذكر ستخرج من المشهد السياسي خلال المرحلة القادمة إبتداءً من الشرعية التي تآكلت وانتهت في الواقع السياسي ولم تمتلك الحد الأدنى من عوامل البقاء ، وهو نفس وضع القوى الأخرى والتي إذا ماقررت البقاء فإن بقاءها سيكون بتغيير يطال بنيويتها السياسية والفكرية وتغييرات شاملة تطال الصف القيادي الأول ، وهذا يقودنا إلى حقائق بدأت تفرض نفسها على الأرض وفق قاعدة الحلول والإحلال السياسي شرعية السلام لن تكون بالتأكيد هي ذاتها شرعية الحرب ، والحركة الحوثية الجديدة بدأت بالتشكلّ من القوى المناوئة لعبدالملك الحوثي هاشمية أخرى أقرب لليبرالية السياسية ، والأئتلاف الجنوبي القادم القابل للوحدة والرافض للإنفصال هو من سيحل مكان المجلس الإنتقالي ، وعلى الصعيد الأقتصادي كل المؤشرات تدلل أن اليمن ودعت رأسمال بأشكاله المختلفة سواء الكمبرادور أو الذي خرج من رحم السلطة (غسيل الأموال) أو ذاك الذي خرج من رحم الحركة الحوثية • كاتب صحفي مستقل رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة IMC
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص