ترويض القلم
الساعة 01:37 مساءً
نستطيع تطويع القلم، وترويضه، ونستطيع أن نلوي عنقه لو حاد عن الطريق، فالحرف بالنسبة لنا، كالنفس نتنفسه، والقلم نقلبه كتقليبنا للسان بين الفكين، وكتقليب السيف بين الكفين، فبتقليبنا له ننظم الكلمات، ونرتب العبارات، وحالنا أننا لا نستطيع أن نبحر في قوارب على ظهر مياه ضحلة، ولكننا لو أبحرنا كانت رحلتنا على متن سفن كالجبال، تمخر عباب محيطاتٍ أمواجُها كالجبال، فالأحلام بالنسبة لنا لا تعدو عن كونها نية ننويها، فإذا بها واقعاً نعيشه، فلدينا من الإمكانيات ما لا يصدقه أحد، وما لا يملكه أحد، فسيفنا القلم، ورمحنا الحرف، وقاذفاتنا عبارات نضرب بها هنا، ونسحق بها عدواً هناك.. سلاحنا القلم، نمتطي صهوته متى شئنا، ونعدو به في فضاءات الصحف، نسابق به الأقلام، ونقفز به على أسوار الحرف، فلا ترانا إلا كالطير، أو قل كالريح العاصفة، أو كالأمواج الهادرة، فلا تأتي حروفنا على شيءٍ معوج إلا قومته، ولا صفقت لنجاح إلا زادته نجاحاً، وألقاً، وروعة، فيا لأقلامنا كيف تسافر مع حروف كلماتها، وجميل عباراتها، وحسن سبكها، لتعود لنا بطاناً من رحلتها في سماء الكتابة، فلا صيد لها إلا أن تصيد نجاحاتٍ هنا، وانتصاراتٍ هناك، وترتيب وضعٍ لمن حاول أن يخرق السفينة، فالمركب واحد، والسفر واحد، والمخرب لن يغرق وحيداً، ولكنه سيغرق الجميع، لهذا نضرب بأقلامنا لنسد الخرق حتى لا تتسرب المياه. يا للقلم كيف فاق الكثير من الجيوش، فبضغطةٍ على سِنه تستطيع تحطيم معنويات جيش بأكمله، وبضغطة عليه تستطيع المرور على رقاب الأعداء، فله قوة الصاروخ، وهدير الطائرات، وهو كالجنزيز يدوس على رؤوس الفاسدين، فهذا هو القلم، وهذه هي فعاله، فليس كل من ملأت جيوبه الأقلام أصبح كاتباً، وليس كل من امتطى ظهر الخيل كان خيالاً، فللأقلام أربابها، وللخيل فرسانها. فالميدان اليوم هو ميدان القلم، فعصر القصف بالمدفع والدبابة قد ولى عهده، فبالقلم تثبط المعنويات، وترفع معنويات كانت تراوح على الصفر، فتجعلها عالية، تناهز درجة الغليان، بالقلم تنهزم الجيوش، وبه تنتصر، به تجعل من اللاشيء شيئاً جميلاً، ومن بصيص الأمل تستطيع أن تضيء نوراً يملأ الآفاق، فيا للقلم، ما أعظم صنيعه، لو خط بين السطور، لولجت حروفه، وسكنت في جوف الصدور! فهذا هو القلم، فأنعم بمن حمله، وأعطاه حقه.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص