2025/05/18
استاذ جامعي يوجه رسالة اعتذار مؤثر ويدعو الى تجنب الدارسة

كتب الدكتور بالجغرافيا الطبيعية ونظم المعلومات دمحمد .منصور المليكي مقالا جاء فيه:

إلى أبنائي وأسرتي، إلى أهلي وأقاربي، إلى جيراني وأصدقائي، إلى طلابي في الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي، وإلى كل من عرفني ذات يوم أو استمع إليّ ذات محاضرة أو حديث أو خاطرة…
أقدم لكم اليوم أصدق عبارات الاعتذار، أعتذر عن كل ما قدمته من دروس ومحاضرات، من توجيهات ونصائح، من دعوات إلى الاجتهاد والمثابرة والسهر في طلب العلم، خاصة في مرحلة الجامعة وما بعدها من دراسات عليا – ماجستير ودكتوراه.
كنت أراها رسالة مقدسة، وحلماً سامياً، ورجاءً مشرفاً نحو نهضةٍ تنبت من جذور العلم.

كنا نحمل ذلك الحلم الوردي الذي رسمته الكتب السماوية، وخطته أقلام الفلاسفة والمفكرين، حلم العلماء الذين أفنوا أعمارهم في المكتبات، بين دفتي الكتب، يغوصون في المعارف، ينقحون النصوص، يكتبون، ينشرون، يعلّمون…
وفي نهاية المطاف، وبعد أن شابت رؤوسهم وانحنت ظهورهم وأثقلتهم الأمراض، وجدوا أنفسهم على هامش الحياة، بلا منزل، بلا راتب، بلا مدخرات، تحاصرهم الديون ويطاردهم أصحاب العقارات والمحال والصيدليات… بينما الناس تنظر إليهم كصفوة المجتمع، وهم في الحقيقة أسرى احتياجاتهم البسيطة وأحزانهم العميقة.

أبناؤهم يسألون عن حياة كريمة مثل أقرانهم، يسألون عن تعليم جيد، عن هاتف محمول، عن حاسوب، عن زي جديد.
زوجاتهم يحلمن بحياة تشبه حياة زوجات التجار والمغتربين، في الملبس والنزهة والمجوهرات.
والمجتمع يطالبهم بالعطاء، أن يكونوا في المقدمة دائماً: في الإنفاق، في الفزعات، في التبرعات، في المواقف التي لا يملك فيها الأستاذ الجامعي سوى اسمه وشهادته.


ينظر الجميع إلى أسمائنا المنقوشة على الأغلفة والبحوث والمجلات والمؤتمرات، ولا أحد يسأل: كيف نعيش؟ ماذا نأكل؟ من أين نأتي بثمن الدواء؟
ولذلك… أعتذر إليكم جميعاً…
لا تسلكوا طريقنا.
لا تكونوا مثلنا.

ففي هذا البلد – بل وفي بلدانٍ مشابهة – لم تعد الشهادة العلمية تساوي شيئاً. صارت بلا قيمة.
لن تصنع لكم الشهادة حياة كريمة، ولن تمنحكم بيتاً آمناً، ولا طعاماً شهياً، ولا عائلة مستقرة.
الشهادة أصبحت مجرد ورقة، لا تسد جوعاً، ولا ترد ديناً، ولا تحمي من شتاءٍ قارس أو صيفٍ لاهب.
الواقع أقسى بكثير من الحلم.

ابحثوا عن مهارات ومهن وحرف وتجارة وصناعة… فهناك يكمن الأمان والرزق والاستقرار، هناك يمكن أن تُبنى حياة حقيقية، لا سراب علمٍ لا يسمن ولا يغني من جوع.

وإني هنا أخص بالشكر صديقي الذي ترك مقاعد الدراسة مبكراً، ولم يُكمل تعليمه الأساسي، وهاجر بحثاً عن لقمة عيش…
هو اليوم من وفر لي السكن، وتكفّل بدوائي وغذائي، بعد أن ضاقت بي السبل، وأنا الذي كنت أوبّخه وألومه وأحتقر قراره ذاك.
اليوم، أعتذر له من أعماق قلبي… فقد كان أكثر وعياً مني، وكان خياره أصدق من حلمي.

وأعتذر كذلك – وإن كانت الكلمات لا تكفي – إلى أولئك الحكام والمسؤولين الذين سخرت منهم يوماً، لأني كنت أظن أن الشهادات وحدها تصنع القرار… فتبين أنكم وصلتم إلى السلطة بلا علم ولا لقب، وها هي الشهادات تركض خلفكم، طائعة صاغرة، لا تملك حيلة.


نعم… نحن نعيش زمناً مقلوباً، اختلت فيه الموازين: الجهلاء في الواجهة، والعلماء في الظل، الفقراء من أهل الفكر، والأثرياء من أهل الدهاء…
نحن مجرد باحثين عن فتات عيش… كي نظل على قيد الحياة.

تم طباعة هذه الخبر من موقع الثورة نت www.althawra-news.net - رابط الخبر: https://guhinanews.com/news55539.html